• اخبار محلية

    اخبار اليمن المشكلة ليست في الوحدة أو الانفصال لكنها في غياب الدولة الضامنة.. والأمر أكبر مما نتصور وتجزئة اليمن ستكون مقدمة لتفتيت جميع الدول العربية


    804 قراءه

    2023-05-20 17:02:32

    عادة ما يحتدم الجدل حول الوحدة اليمنية في ذكرى إعادة تحقيقها في شهر مايو من كل عام، وكان واضحا أن صخب ذلك الجدل قد ارتفع أكثر خلال هذا العام 2023 لعوامل عدة نعتقد أن الجميع بات يدركها، وهو ما يجعلنا نحاول تلمس أصل المشكلة بعيدا عن التشنجات الانفعالية والرغبات العاطفية هنا وهناك..  وأرجو قراءة المقال بهدوء وتفكر بعيدا عن التمترسات القائمة، وذلك ليتسنى لنا جميعا تلمس طريق يخرجنا إلى أمر سوي نتوافق عليه ونتعايش فيه جميعا على قاعدة: لا ضرر ولا ضرار، لأن السقف إذا وقع سوف يقع على رؤوس الجميع ولن يستثني أحد.

    فواقع الحال يقول لنا بأنه لا الوحدة كانت مشكلة ولا الإنفصال سيكون حلا، والعكس صحيح أيضا، لأن الواقع يقول بأن ما وصل إليه الوضع في اليمن لم يكن يرتبط بالوحدة كمفهوم ولكن بالنظام الذي قاد دولة الوحدة وطريقته في إدارة الدولة الموحدة، وبالتالي فالحل لن يكون بالانفصال وإنما بتقويم اختلالات تلك الإدارة، طبعا إن صدقت النوايا وتكاملت الجهود وأبعدنا خلافاتنا الداخلية عن الأجندات الخارجية الطامعة بشقيها الإقليمي والدولي.

    فهناك بلدان كثيرة توحدت ونجحت، وأقرب مثال يمكن استحضاره الآن هي ألمانيا. وأيضا هناك بلدان أخرى تقسمت وتحولت إلى دول فاشلة وعاجزة، ولعل السودان هي أقرب مثال يمكن إيراده حاليا بسبب الأحداث التي يشهدها وتجعل من وضعه قريب من وضع اليمن.

    وذلك يؤكد لنا بأن الوحدة لم تكن المشكلة ولا الانفصال سيمثل حلا كما يرى البعض، أو حتى كما يرى البعض الآخر من الذين يقومون بعكس المعادلة ويتصورن بأن الوحدة هي الحل بينما المشكلة في نظرهم تتمثل بدعوات الانفصال، وهذا يفترض أن يجعلنا نكثف جهودنا للبحث عن حلول لأسباب الفشل بدلا من التعامل مع الوحدة أو الانفصال كسبب للمشكلة أو حتى كخيار للحل.

    وأسباب الفشل معروفة ويدركها الجميع، وتتمثل في غياب الدولة الضامنة: دولة العدالة والقانون، الدولة الديمقراطية التي تكفل الحرية الهادفة لكل أبنائها وتؤسس لنظام دستوري يؤطر لسبل سلمية وسليمة للإرتقاء إلى كراسي السلطة والنزول عنها، دولة ترفض كل شطحات الاستحواذ والفيد وتعلي من قيم الشراكة الوطنية في المغرم والمغنم وتدعم حقوق المواطنة المتساوية.

    فتلك القضايا وغيرها هي التي سوف تُنجِح أي دولة، بغض النظر شملت كل الوطن أو حتى جزء منه، وإن كانت فرصة تحقيق شروطها في وطن موحد أكبر بكثير منه في دول تشمل جزء من الوطن، لأننا كلما كبرنا كلما قل حجم العصبيات الصغيرة، وذلك يمَكِننا بصورة أكبر من التفاهم بخصوص العصبيات الرئيسية التي تسود في ربوع الوطن، وغمض عيوننا عن أسباب الفشل تلك هو الذي سيفشل أي دولة تقوم دون تقديم معالجات عادلة وآمنة لها، سواء بقينا دولة موحدة أو عدنا إلى شطرين أو تقسمنا إلى خمس أو ست دول أو حتى لو أصبحت كل محافظة يمنية دولة مستقلة بذاتها.

    وليس الآن وقت المحاججة بالرغبات الشعبية والمطالبة باستفتاءات، فالاستفتاءات يتم العمل بها عندما نستنفد كل الحلول الممكنة، ويتم تنظيم الاستفتاء في حال اللجوء إليه كحل أخير في ظروف طبيعية، وليس في وقت اشتعال الحروب وسيادة الصراعات وحضور الخارج في قضايا الوطن والاستقواء بالسلاح من قبل هذا الطرف أو ذاك، ففي مثل هكذا وضع لو استفتينا حتى على مستوى كل مديرية ستنجح معظم الاستفتاءات إن لم يكن كلها وسنجد أنفسنا أمام 333 دويلة يمنية، وسنظل ندور في متاهة الضياع إلى ما لا نهاية.

     فقيام دولة مستقلة في جنوب اليمن أو شماله أو في شرقه أو غربه لا يترافق قيامها بالتأسيس لشروط الدولة الضامنة، وتهيمن عليها عصبية مذهبية أو مناطقية أو قبلية...إلخ سينتج لنا نفس الوضع الذي نعاني منه في دولة الوحدة ونتصور أننا سنحله بالتجزئة.. قد يقول قائل سوف نتمكن من تأسيس الدول الضامنة في دولنا الشطرية، وسنسأله: وما الذي يمنعنا من تأسيسها في دولة واحدة تضمن حقوق الجميع؟ مع فارق أن الوضع الموحد سيمكن دولتنا تلك من امتلاك القدرة للحفاظ على سيادتها واستقلال قرارها وحماية ثرواتها ومقدراتها من أي أطماع خارجية، على عكس أي دول شطرية يصغر حجمها وتقل قدراتها على فعل ذلك. وهو الأمر الذي فعلته دول فظلت التوحد رغم أنها تعد أكبر من اليمن مساحة وسكانا وتفوقها في عصبياتها المعقدة وتزيد عليها بقومياتها ودياناتها ولغاتها المتعددة.

    الخلاصة: المشكلة تكمن  فينا وفي طريقة إدارتنا للدولة وعدم عملنا على تأسيس الدولة الضامنة، ولا تكمن في شكل الدولة أو حجمها، وكل من يرفض شروط الدولة الضامنة قولا أو فعلا أو كليهما معا فلا نصدق تنظيراته لا للوحدة ولا للانفصال، لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه على أي حال كان عليه، وهؤلاء بكل توجهاتهم يعدون سببا لغرق السفينة أكثر من اعتبارهم طوقا للنجاة.

    وبما أن الإمارات والسعودية وإيران هي أبرز الدول المتدخلة في الشأن اليمني ربما سيكون من المنطق أن نسألها إن كانت تقبل بتفكيك دولها كما تريد أن تفعل باليمن؟

    فليسأل أنصار الإمارات حكامها هل سيقبلون انفصال الإمارات الشمالية عن إمارة أبوظبي المهيمنة عليها؟ حيث أصبح حكام أبوظبي يتعاملون مع الإمارات الست الأخرى بطريقة لا تفرق عن تعاملهم مع المناطق الثلاث التي تتكون منها إمارة أبوظبي

    وعلى أنصار السعودية أن يسألوا قيادتها عن استعدادهم لمنح الاستقلال للحجاز غربا والأحساء شرقا وعسير جنوبا وشمر شمالا؟ بحيث يقتصرون في دولتهم السعودية على نجد فقط كما كانت عليه قبل ضمهم لأراضي تلك الدول.

    وعلى أنصار إيران أن يسألوها عن إمكانية منحها الاستقلال لمناطق القوميات الأخرى التي تختلف عن القومية الفارسية المهيمنة عليها، بلغاتها وطموحاتها وتتعرض للتنكيل بها من قبل الفرس؟ بحيث تمنح الاستقلال لعربستان وكردستان  وبلوشستان وأذربيحان الجنوبية وغيرها.

    بقى أخيرا أن نشير بأن عملية تفكيك الدول العربية التي أشتد العمل حاليا من أجل تنفيذها بصورة ملفتة هي مشروع تتبناه القوى الاستعمارية والصهيونية، وجندت من بين صفوفوف العرب أطرافا لتبني تلك المؤامرة والعمل على تنفيذها، وجميعنا يعلمهم ويعلم أنهم مجرد قفازات تستخدمها تلك القوى بالطريقة التي تريد.

    فإذا كانوا سابقا قد فتتوا الجزيرة العربية وبلاد الشام ووادي النيل والمغرب العربي والصومال إلى دول متعددة، فهاهم الآن قد كشروا عن أنيابهم لتفتيت المفتت وتقسيم المقسم، بحيث يتم تشتيت الوطن العربي لدويلات طائفية صغيرة ومتناحرة وتحركها تلك القوى في الاتجاه الذي تريد، لأسباب أهمها سياسية واقتصادية واستراتيجية وجغرافية لم تعد تخفى على أي متابع حصيف، منها تمكين الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين بإعلان (إسرائيل) دولة خاصة باليهود وحدهم، أسوة بالكيانات الدينية والمذهبية التي ستنشأ هنا أو هناك.

    وإذا كانت البداية ستكون من اليمن التي ما زالوا يتصارعون على وضعها التفتيتي، وهل سيكتفون بعودتها إلى وضعها التشطيري السابق كمرحلة أولى؟ أم ينتقلون مباشرة لتفكيكها إلى دويلات متعددة تشمل جهاتها الخمس معتمدين على موروث تاريخي من المظلوميات تنتشر في تهامة وحضرموت واليمن الأسفل مع عدن وصنعاء؟

    وها هم قد

     شرعوا في تفتيت السودان أو ما تبقى منها، فبعد فصلهم لجنوبها هاهم يسارعون الخطى لفصل دارفور في غربها، ثم سينتقلون لبقية الجهات شرقا (الساحل وظهيره) وشمالا (النوبة وجوارها) ووسطا (كردفان والجزيرة)، ولن يتبقى من دولة السودان بعدها إلا مدينة الخرطوم وضواحيها.

    ثم سيوضع الحبل على الجرار في جميع الدول العربية. وقد تم الإشارة إلى وضع السعودية والإمارات أعلاه. أما بقية دول الجزيرة العربية فسلطنة عمان سيفصلون عنها ظفار جنوبا ومسندم شمالا. وحتى الدول الخليجية صغيرة الحجم في الكويت وقطر والبحرين فلن يعدموا أسبابا لتفتيها، سواء مذهبية كما هو الحال في البحرين أو قبلية كما نرى في قطر أو كليهما كوضع الكويت.

    وفي منطقة الهلال الخصيب، ستتحول العراق إلى ثلاث دول على الأقل: شيعية في الجنوب وسنية في الوسط وكردية في الشمال. أما سوريا فيسيقومون بإحياء دويلاتها التي كان قد  أنشأها الاستعمار الفرنسي في دمشق وحلب والساحل العلوي والفرات الكردي وجبل الدروز. وفي الأردن المخطط جاهز لفصل جنوبها عن شمالها وفصل منطقة الاغوار غربا أو تقديم جزء منها كوطن بديل للفلسطينيين لخدمة تهويد الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين. وحتى لبنان بحجمه الصغير لن يفلت من التفتيت على أسس طائفية صرنا نراها بوضوح ولم تعد بحاجة لشرح وتحديد.

    ثم يسنتقلون إلى شمال وادي النيل متمثلا بمصر قلب العروبة النابض، ليفصلوا عنها سيناء خدمة للكيان الصهيوني، ثم سيقسمون الوادي بين دولتين إحداهما إسلامية والأخرى مسيحية، مع أحاديث عن دويلات صغيره في صحرائه الغربية ومنطقة النوبة.

    وفي دول المغرب العربي فليبيا خطة تقسيمها إلى ما كانت عليها من مناطق ثلاث (طرابلس  وبنغازي وفزان) قبل توحيدها وجعلها دول مستقلة لم تعد تخفى. وفي الجزائر سيفصلون على الأقل منطقة القبائل (الأمازيغية) مع دولة أخرى للطوارق في صحراء الجزائر الجنوبية. أما المغرب الأقصى فسيعيدون في الحدود الدنيا فصل منطقة الريف شمالا والصحراء الغربية جنوبا. وفي موريتانيا ستصبح هناك دولة للعرب شمالا وأخرى للأفارقة جنوبا. وحتى تونس بمساحتها الصغيرة بدأت تشتعل فيها صراعات تنبني على أسس جهوية.

    هذا هو المخطط الشرير الذي بات يدركه الجميع ولم نأتِ بجديد بخصوصه هنا، فكلهم يعلمونه بمن فيهم الذين يحاولون إنكاره لأسباب تخصهم، فهل سيصحوا حكامنا العرب ويتنبهون بأن خطط التفكييك التي يتماهون معها في اليمن والسودان وغيرها هي مجرد مقدمات لخطة ستشمل الوطن العربي برمته من خليجه (العاثر) إلى محيطه (الخائر)؟ أم سيواصل بعضهم التماهي مع المخطط الاستعماري الصهيوني لأنه لم يعد بمقدوره التراجع، بينما سيكتفي البعض الآخر بالصمت ليصرخون بعد فوات الأوان: أُكِلنا يوم أُكلَ الثور الأبيض!

    وإذا تماهى الحكام أو صمتوا، فأين هو دور الشعوب العربية؟ أم أن الأمة العربية قد فقدت القدرة على الفعل؟ وصار الجميع يكتفون بتبادل التوقعات عما سيحدث في بلدانهم من مؤامرات دون أي حراك لرفضها وإفشالها، بمن فيهم النخب الذين يفترض بهم أن يكونوا في مقدمة الصفوف، وفقط بتنا ننتظر من سيكون منا التالي في الدور؟!

    الأحداث في قادم الأيام وفي المدى المنظور ستكون كفيلة بالإجابة على تلك التساؤلات، وربما لن نحتاج الانتظار إلى المدى البعيد أو حتى المتوسط لمعرفتها، فالأحداث صارت تتسارع من حولنا بصورة أكبر بكثير مما كنا نتوقع، فقد صار جميع أطراف المؤامرة على عجلة من أمرهم لتنفيذها وبشكل سافر.

     

    - أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة صنعاء.*

     

     



    مصادر 24 قارئ إخباري مستقل حيث والمواد الواردة فيه لا تعبر عن رأي الموقع ولا يتحمل اي مسؤولية قانونية عنها  
    جميع الحقوق محفوظة لدى مصادر 24