فن النحت على الرمال أحد أجمل الفنون الإبداعية القديمة، وهو إبداع يفوق الخيال، فهذه الأعمال الفنية صممت من الرمال أو تم نحتها على الرمال، وبلمسات سحرية من فنانين يحولون رمال الشواطئ الذهبية إلى لوحات ومنحوتات فنية مذهلة تحكى قصصاً خيالية أو تجسد حيوانات أسطورية أو حتى حقيقية، وقد تجسد مشاهد من أفلام سينمائية أو حتى أيقونات تراثية، فيستغرق صنعها ساعات وساعات طويلة لإتمامها بأعلى دقة ممكنة، وفي ظل انتشار هذا الفن الإبداعي شهدت محافظة الإسكندرية، انطلاق مهرجان "النحت على الرمال" لأول مرة، حيث أعلنت الإدارة المركزية للسياحة والمصايف انطلاق المهرجان من شاطئ السرايا العام بالإسكندرية، ونوهت إلى غلق الشاطئ لمدة 4 أيام هي مدة المهرجان ليتمكن الفنانون من إنهاء منحوتاتهم الفنية ولوحاتهم الإبداعية وتصميماتهم الابتكارية ليتم بالنهاية استعراض الأعمال الفنية على رمال الشاطئ وتحكيمها... سيدتي شاركت فعاليات المهرجان الذي يُقام للمرة الأولى على شواطئ الإسكندرية. • فن قديم منذ خمسة قرون
يقول الفنان التشكيلي إبراهيم شكري لسيدتي: بدأ فن النحت على الرمال منذ وقت طويل جداً، على الرغم من أن الأدلة الموثقة بدأت منذ خمس قرون حيث تظهر السجلات أن هناك شاعر وفنان هندي هو أول من ابتكر منحوتات رملية تعبدية في موطنه، وفن النحت على الرمال أحد أنواع "فن الأرض" أو ما يعرف بـ"فن الطبيعة" حيث يتم نحت الأرض نفسها وتشذيبها في أعمال ترابية أو إنشاء هياكل من المناظر الطبيعية باستخدام مواد طبيعية مثل الصخور أو الأغصان أو الرمال.
يؤكد شكري أن فن النحت على رمال الشاطئ كان يُنظر له على أنه فن طفولي، إلا أنه أحد الفنون الإبداعية المعروفة فهو خليط الطبيعة بفطرتها مع الفن بتأججه وجرأته فيخرج منتج إبداعي مذهل حيث لا حدود للخيال في فضاء الطبيعة المفتوح، لتتحول الشواطئ إلى معارض مفتوحة تسر الناظرين.
يلفت شكري لتزايد إقبال الفنانين والمبدعين على المشاركة فى مختلف المهرجانات للنحت بالرمال في كل أنحاء العالم، ومؤخراً انتشر هذا الفن بشكل واسع في الوطن العربي وهذا العام استضافت الإسكندرية مهرجانها الأول للنحت على الرمال. • فن ذو أبعاد هندسية معنية
يتابع الفنان إبراهيم شكري: صنع المنحوتة الرملية الواحدة يستغرق عدة أيام، ولا يسمح فيها باستخدام أي مواد غير الماء والرمل، لكي تحافظ المنحوتة على صلابتها وتتمكن من البقاء أطول فترة ممكنة، والأدوات التي يستخدمها فنانو النحت على الرمال تكون الرمل طبعاً من الشاطئ والماء والقوالب الخشبية، وهذا بحد ذاته يكفل لها التماسك وفق أبعاد هندسية معنية يعرفها العاملون في حقل النحت على الرمال، ويحتاج المبدع إلى دلو وفرشاة ويديه ليبدأ في ممارسة هوايته الفنية، وليخرج هذا العمل الفني إلى الواقع، فيضع الممارس لفن النحت على الرمل في ذاكرته الصورة التي يودّ رسمها، ومن ثم يختار المكان المناسب على شاطئ البحر لإخراجها إلى الواقع على رمال البحر الذهبية. • منحوتات فنية أبرزت مواهب المشاركين الكامنة أمنية رأفت عبد الواحد – فنانة تشكيلية من محافظة مطروح - الصورة مرسلة من قِبل الفنانة لسيدتي
حسام ذكي معيد في كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية قسم النحت وعضو هيئة التحكيم في مهرجان النحت علي الرمال بمسابقة الاسكندرية يقول لسيدتي: هذا المهرجان في مصر يقام للمرة الأولى، وعلى الرغم من كثرة الشواطئ بمصر، إلا أن اللجنة قررت عقد المهرجان لأول مرة في الإسكندرية، لما لها من طبيعة كوزموبوليتانية معروفة فهي موطئ كثير من فناني العالم المعروفين.
ويؤكد ذكي أن فن النحت علي الرمال له طبيعة خاصة مختلفة في التشكيل والخامات حيث تكنيك العمل مختلف، لأن الأدوات التي تستخدم تكون بسيطة جداً وتكاد لا تبتعد عن مثيلتها التي كنا نلعب بها ونحن صغار على الشاطئ، كالجاروف والكوريك والماسترين ودلو المياه، على أن هذا الفن يتطلب مهارة معينة حتي يمكنك التحكم في الكتلة والسيطرة عليها، وهذا النحت مثل أي نحت مع اختلاف الخامة إلا أنه يحتاج مهارة وحرفية وموهبة وهو ليس فناً سهلاً إطلاقاً، وقد قدم الفنانون المشاركون منحوتات فنية أبرزت مواهبهم الكامنة وقدراتهم المتميزة في استخدام وتوظيف الخامات الرملية، حيث يؤكد ذكي أن الفنانين لم يستخدموا سوى الرمال والمياه فقط دون استخدام أي مواد صناعية أو مواد مضرة للبيئة في عمليات النحت. • جائزة التميز الأولى في المهرجان سارة أحمد - فنانة تشكيلية في المراحل الأولى لتنفيذ المنحوتة (جائزة التميز الأولى) - الصورة مرسلة من قِبل الفنانة لسيدتي سارة أحمد - فنانة تشكيلية وأحد المشاركين بالمهرجان – حصلت على جائزة التميز الأولى، تقول لسيدتي: أدرس بكلية الفنون الجميلة قسم النحت، وعند علمي بالمهرجان قررت المشاركة، وعن اختلاف النحت على الرمال عن النحت بالخامات الأخرى تقول سارة: الخامات الأخرى سهل التحكم فيها أكثر من الرمال، فالرمال تحتاج مجهوداً أصعب وأكثر إلى جانب العمل تحت لهيب الشمس، ويحتاج النحت على الرمال تمكّناً من تشكيل الخامة أكثر، وعن الأدوات التي استعملتها في النحت على الرمال تقول سارة: استعملت أدوات النحت المعتادة، دفرات، ومسطرين، وسكاكين معجون، وبخاخات مياه، ودلو، وفرشاة، وترى سارة أن النحت على الرمال يتطلب استعداداً ومهارة وخبرة وتفوقاً، وعن العمل الذي قدمته عبارة عن أخطبوط خارج من شكل هندسي وهو يصارع من أجل الخروج من بيئة أخرى هندسية غير بيئته الطبيعية. • منحوتة بدوية منحوتة فاطمة الزهراء عوض -- الصورة مرسلة من قِبل الفنانة لسيدتي فاطمة الزهراء عوض - معيدة بكلية التربية النوعية جامعة مطروح: شاركت بعمل عبارة عن جَمل مع سيدة بدوية ليعبر عن انتمائها لطبيعة محافظة مطروح البدوية (فازت بدرع التميز) تقول لسيدتي: أي إنسان يمكنه ممارسة فن النحت على الرمال طالما هو على دراية بالنسب الطبيعية للعمل نفسه، وتؤكد أن النحت على الرمال يختلف عن أي نحت، فجزيئات الرمل تتفكك بسرعة، وأي جزء يكون ضعيفاً في المنحوتة يمكن أن يتعرض للانهيار بسهولة، وعن الأدوات التي استعملتها في العمل، قامت باستخدام ماء ورمل ومسطرين، ودفرات نحت، وفرشاة، وأدوات رش. • قلعة هندسية فوق ظهر سلحفاة...! قلعة هندسية فوق ظهر سلحفاة - الصورة مرسلة من قِبل الفنانة لسيدتي
نانسي خالد- فنانة تشكيلية (حازت المركز الثاني)، وقد شاركت بمنحوتة تمثل الترسة ( السلحفاة المائية) تقول لسيدتي: قررت أن أضيف للسلحفاة قلعة هندسية فوق الظهر، لأنني أرى أن الاثنين يعيشان فترة زمنية طويلة، فالقلعة من الممكن أن تستمر مئات السنين وكذلك السلحفاة، فيرحل البشر وتبقى السلحفاة وجدار القلعة شاهدين على أحداث الزمن وتفاصيل المكان.
وعن عملها بالنحت على الرمال تقول: هو مختلف عن طريقة أخرى للنحت، فالعمل يتطلب أن يكون دائماً مبللاً بالماء، فعند جفافه تتطاير حبيبات الرمال، أما النحت باستخدام الطين العثماني مثلاً تكون الكتلة متماسكة ومُسيطر عليها وعلى تفاصيلها، وعند جفافها تعطي نتيجة أفضل، وقد عمدت نانسي لاستخدام الألوان الزيتية في تفاصيل الوجه بالإضافة لأدوات النحت التقليدية. • الإرادة القوية تصنع المعجزات أمنية رأفت عبد الواحد - الصورة مرسلة من قِبل الفنانة لسيدتي
أمنية رأفت عبد الواحد – فنانة تشكيلية من محافظة مطروح (حصلت على المركز الثالث) تقول لسيدتي: في طفولتي كنت أنحت على رمال شواطئ محافظتي مطروح منحوتات صغيرة الحجم، وعندما علمت بالمهرجان صممت أن أعمل منحوته تبهر الجميع وتجذب الجمهور، وكانت فكرة رأس الغوريلا والتي اعتقدت أنها ستكون مختلفة، على أن الجميع بالبداية لم يتفهموا العمل فأصابني اليأس ففي اليوم الأول انهارت المنحوتة وتطايرت الرمال، ولكن الحاضرين شجعوني وصممت وبدأت مرة أخرى لتكملة العمل وأثبت جدارة للحاضرين ونال إعجابهم، وكان العمل في بدايته رأس الغوريلا فقط ولكني أضفت يداً للغوريلا لتعطي القوة في محاولة الخروج من الأرض، وتقول أمنية: إن هذا العمل من الفن التجريدي، فهو شكل مجرد ليس كاملاً وبتفاصيل غير واقعية كرتونية لرأس الغوريلا، وقد استمتعت كثيراً بأجواء العمل والتعاون مع مختلف التكنيكات الفنية المشاركة.